الاستحواذ سر برشلونة!
عندما تنفجر' الآهات' من أرجاء المقاهي المصرية ابتهاجا بهدف أحرزه فريق برشلونة الإسباني.. تكون' آهات' مماثلة قد انبعثت أيضا من مقاهي ومنازل وأماكن التجمعات المختلفة في بيروت ودبي وجوهانسبرج وبانكوك وسيول ومكسيكو سيتي!فالتابلوهات الفنية الراقية التي يقدمها فريق برشلونة الحالي تكاد تكون الأروع في تاريخ لعبة كرة القدم, بل ربما تكون قد تفوقت علي تابلوهات أجيال العباقرة السابقين: دي ستيفانو وبيليه وكرويف ومارادونا, بحكم دور الفضائيات في عصرنا الحديث في نشر موجة' البارسا' عبر أنحاء العالم.
قديما, اعتادت الجماهير الذواقة علي أن تشجع' الكرة الجميلة', ولكن الفرق التي قدمت هذا النوع من الكرة تسببت علي مر التاريخ في انكسارات أليمة لمحبيها, مثلما حدث لجيل سقراط وفالكاو وزيكو البرازيلي عام1982, ومع جيل كرويف ونيكسنز وكرول الهولندي في السبعينيات, وأخيرا جاء جيل برشلونة الحالي ليحقق المعادلة الصعبة وهي بالجمع بين الكرة الجميلة والانتصارات الساحقة, وباختصار, أعاد جيل برشلونة الحالي الهيبة إلي' مبدعي' اللعبة وأيضا إلي جمهور الكرة الجميلة.
ولكن ما هو سر التميز' البارساوي'؟
هل هو المبدع الأرجنتيني ليونيل ميسي؟ أم هو المدير الفني الشاب جوسيب جوارديولا؟ أم ربما الجمهور الغفير للبارسا الذي يؤازره بقوة في كافة المباريات؟ هل هي' لاماسيا' أو أكاديمية ناشئي برشلونة التي تقوم بتخريج هذا العدد الهائل من اللاعبين الموهوبين؟ أم أنها سياسة رئيس النادي' العاقل جدا' خوان لابورتا؟! أم أنها لتوليفة اللاعبين التي جمعت الأقدار بينهم في فريق واحد مثل تيري آنري وزلاتان أبراموفيتش وجيرارد بيكي وشابي؟ هل هم الشباب مثل بويان وبيدرو ومن قبلهما ميسي؟ أم جيل أصحاب الخبرة مثل كارلس بويول وشابي وآنري؟ أم الماكينات الأفريقية: يايا توريه وسيدو كيتا ومن قبلهما صامويل إيتو لسنوات؟!
السر في هؤلاء معا, ولكنه ليس مفتاح الحل, فبالتأكيد, نجحت سياسات خوان لابورتا رئيس النادي التي تعتمد علي إبرام صفقة واحدة كبيرة أو اثنتين في الموسم الواحد والابتعاد عن سياسة التبذير الاستعراضي غير المدروسة التي يفضلها فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد, في توفير قدر كبير من الاستقرار الفني والنفسي للفريق,
وبالتأكيد أيضا, كان هناك دور لجوارديولا المعتزل عام2006, رغم أن أكثر المتفائلين والمقتنعين بإمكاناته لم يكن يتوقع له الاستمرار لموسم واحد في قيادة البارسا عندما تم اختياره للمرة الأولي في صيف2008 مديرا فنيا للفريق الأول بعد أن كان مدربا للناشئين بلا خبرة تدريبية.
وكان أبرز عوامل نجاح' بيبي'_39 عاما- في تدريب البارسا هو أنه باختصار أحد أبناء النادي ويشعر بأهمية الانتماء للفانلة, وكان بالفعل لاعبا حماسيا يقاتل في أرض الملعب من أجل فريقه, ولهذا نجح تدريبيا, ولم يكن وراء نجاحه دورات تدريبية أو خبرات سابقة أو شهادات من لايبزج, ولكنه الانتماء وخبراته كلاعب' فقط' وأيضا الموهبة التي لم تظهر إلي بعد توليه المهمة!
وبالتأكيد أيضا, لا يمكن إنكار موهبة ميسي ودوره في انتصارات برشلونة, ولكن لا ننسي أن ميسي لا يفعل ذلك بمفرده, فهو لاعب كرة' آدمي' في النهاية يمكن الحد من خطورته بالرقابة اللصيقة, مثلما حدث في مباراتي الإنتر في قبل نهائي دوري أبطال أوروبا, ولا ننسي أن ميسي لا يؤدي بنفس هذه القوة والمتعة مع منتخب بلاده الأرجنتين, ولهذا لا يعتبره الأرجنتينيون_ حتي الآن_ أفضل من مارادونا.
السر في' الاستحواذ' أو ما يطلق عليه في الكرةBallPossession, فهذه هي الرؤية التي تبناها النادي منذ سنوات لابورتا الأولي, فقد أعلن الرجل وقتها أن الاستحواذ الإيجابي علي الكرة هو الذي يصنع الفوز وهو الذي يجلب المتعة, وبناء علي هذه الرؤية كان اختياره لجوارديولا واتفاقه معه منذ البداية علي اختيار نوعية اللاعبين التي تتيح للفريق تطبيق هذه النظرية.
كثير منا يتعامل مع إحصائية الاستحواذ الشهيرة التي تظهر علي شاشات التليفزيون بعد انتهاء المباريات علي أنها إحصائية بلهاء لا قيمة لها, أو أنها ربما تكون جوا من تترات إخراج المباراة, ولكن الحقيقة غير ذلك, فنسبة الاستحواذ تعبر عن الكثير من المدلولات, فالفريق الذي يستحوذ أكثر من منافسه ويخسر في النهاية هو فريق' فاشل' أو' ساذج', لأن استحواذه علي الكرة لم يكن إيجابيا.
مفاتيح استحواذ برشلونة علي الكرة هم اللاعبون, فهناك ميسي وبويان وكيتا وداني ألفيش وغيرهم يملكون من المهارات التي تجعلهم قادرين علي المراوغة والاستلام والانطلاق بالكرة لأطول فترة ممكنة, وإلي الأمام, وهناك في خط الوسط شابي ويايا توريه وغيرهما ممن يتميزون بمهارة قطع الكرات من المنافسين وتمريرها بالشكل السليم, وهناك المدافعان بويول وبيكيه الذين يستطيعون بناء الهجمة بالتمرير السليم من الخلف, وبين هذا وذاك, فالتمريرات دقيقة جدا, وتتميز بالسرعة والقوة والإيجابية.
ولهذا, كان من السهل علي برشلونة أن يحطم رقما قياسيا في نسبة الاستحواذ علي الكرة في مباريات الدوري الإسباني الأخير, وفي أكثر من مباراة, لدرجة أن هذه النسبة تخطت80% و82% في كثير من المباريات(82% تحققت في مباراتي تينيريفي وإسبانيول), ومعظم هذه المباريات التي زاد فيها الاستحواذ انتهت بمهرجانات أهداف لبرشلونة, وهناك أهداف تم إحرازها بعد أكثر من50 تمريرة, مما يؤكد علي نظرية الاستحواذ الإيجابي التي تحدثنا عنها, والتي يعتمد عليها لابورتا وجوارديولا ولاعبو البلوجرانا.
والاستحواذ هي كلمة السر التي لم يحسن قراءتها سوي مدرب واحد فقط هذا الموسم, وهو البرتغالي جوزيه مورينيو, الذي لعب مباراة العودة مع البارسا في كامب نو بطريقة إغلاق مساحات التمرير وتقليل معدل استحواذ لاعبي برشلونة علي الكرة قدر الإمكان.
واعتبر مورينيو أنه إذا كان لابورتا وجوارديولا يعتبران أن الاستحواذ يقضي علي المنافس' نفسيا' و'بدنيا' داخل الملعب, ويزيد من فرص إحراز الأهداف, فإن منع برشلونة من الاستحواذ سيحبط معنويات لاعبي البارسا أنفسهم ويمنعهم من إحراز الأهداف, ونجح لاعبو الإنتر في تنفيذ هذه الرؤية بالحرف في مباراة العودة ولم يدخل مرماهم إلا هدف واحد فقط لم يكف لتأهل برشلونة إلي النهائي!